العودة للخلف

موقف المسلم في زمن انتشار الوباء

تاريخ النشر: 15 / 08 / 2025
: 27

(الوباء 9)

سلسلة مقالات في الوباء ، وكان كتابة هذه المقالات (أيام كورونا)

موقف المسلم في زمن انتشار الوباء

قد جاء بيان موقف المسلم تجاه الوباء إذا حلَّ بالناس وعمَّ الأرض، وذلك معلوم في كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله ﷺ.

أولا : أن يعلم أنه بقدر الله واختياره ومشيئته، وأن الله خلَقه، ولا خالق إلا الله تعالى، كما أنه لا رازق إلا الله، ولا شافي إلا الله، ولا محيي ولا مميت، ولا يعطي ولا يمنع إلا الله تعالى.

قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51]

قال ابنُ الملقن في التوضيح (30/ 179): «معنى هذا الباب: أن الله تعالى أعلم عباده أنَّ ما يصيبهم في الدنيا من الشدائد والمحَن والضيق، والخصب والجدب، أن ذلك كلّه : فعل الله تعالى، يفعل من ذلك ما يشاء لعباده، ويبتليهم بالخير والشر، وذلك كله مكتوب في اللوح المحفوظ، ولا فرق في هذا بين جماعة الأمة من قدري وسُنِّي، وإنما اختلفوا في أفعال العباد الواقعة منهم. وهذه الآية إنما جاءت فيما أصاب العباد من أفعال الله تعالى، التي اختص باختراعها دون خَلْقِه».

ثانيا : أن يعلَمَ أن الله تعالى له حكمة بالغة، فكلّ أفعاله سبحانه وتعالى لها حِكَم عظيمة جليلة قد نعلم طرفًا منها، ببيان في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ بدليل صريح أو غير صريح، ويوفّق الله من شاء من أهل العلم لبيان ذلك للناس، ويبصّرهم به، ولا يُحيط أحدٌ -مهما بلغ علمُه- قولًا بحكمة الله في خلقه وأمره سبحانه وتعالى، وفوق كلّ ذي علم عليم. وقد ذكرتُ في مقال مستقل طرفًا من الحِكَم العظيمة في الوباء.

ثالثا : أن يؤمن أنَّ العدوى لا تنتقل بنفسها، ولا تعدي بذاتها، وأنَّ المرض لا ينتقل بمجرد المجالسة أو المصاحبة أو المعاشرة أو المصافحة ونحو ذلك، وإنما تلك أسباب إذا شاء الله أن ينتقل المرض بسببها إلى أحد : انتقل ، وهذا مشاهد ومجرَّب ومعلوم كما نعلمُ الليل والنهار، فكم سمعنا وعلِمْنَا أنَّ عدَّة أشْخاص جالسُوا مريضًا ثم يمرض بعضُهم أو أحدُهم فقط والبقية يسلمون، أو يسلم أحدُهم، والبقية يمرضون.

رابعًا : أن ينسبَ العبادُ ذلك إلى تقصيرِهِم ، وتفريطِهم . حتى يكون دافعًا لـهُم إلى الرجوع إلى الله والتوبة النصوح وتحقيق الإيمان به وبكتابه وبرسوله. فقد جاء البيان في الكتاب : أنَّ فسادَ المعايش، وفساد أحوال الناس، وشدة الابتلاءات العامة لأسباب تعود إلى الناس.

ومن أدلة ذلك:

قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

وقوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التغابن: 5] قال المفسرون: يعني ما لحقهم من النكال في الدنيا بسبب ذنوبهم. ثم توعّدهم بالعذاب الأليم في الآخرة.

وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [آل عمران: 11]

وقال تعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: 18] ومعلوم ما عذبهم الله به في الدنيا بسبب ذنوبهم.

وقال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 40]

وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]

وقال سبحانه : ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ [الأنعام :  6] .

وقال:﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأعراف: 100]

وقال سبحانه: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ الآية [الأنفال: 54] . وقال: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ [الإسراء: 16، 17]

وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ [غافر: 21]

وقال: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: 13 - 15] . وقال سبحانه : ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: 30، 31] ، كما قال في عذاب الآخرة: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [آل عمران: 182] ،  [الأنفال: 51] .

وقد ثبت عن النبي ﷺ من طرق وعن جماعة من الصحابة (المعنى) أن النبي ﷺ قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم».

وإنما سقت هذه الأدلة وإن كان بقي غيرها لعموم  الغفلة عن هذا الأصل وهذه الحقيقة، والله المستعان.

خامسا: الصبر ، والاحتساب

ولابد منهما، الصبر على البلاء ، وما نزل من الوباء ، واحتساب الأجر عند الله تعالى.

وحقيقة الصَّبر: حبس النفس عن الجزع والتسخُّط. وحبس اللسان عن الشكوى. وحبس الجوارح عن التشويش، كما في المدارج. وما أُعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع من الصبر كما في الحديث الصحيح.

وحقيقة الاحتساب: القصد إلى طلب الأجر من الله تعالى.

قال ابن الأثير في النهاية : «والاحْتِسَاب فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَعِنْدَ الْمَكْرُوهَاتِ هُوَ البِدَارُ إِلَى طَلَب الأجْر وَتَحْصِيلِهِ بالتَّسْليم والصَّبر».

وقال الكفوي في الكليات : «الاحتساب: هُوَ طلب الْأجر من الله بِالصبرِ على الْبلَاء مطمئنة نَفسه غير كارهة لَهُ».

وفي صحيح البخاري عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، أنها سألت النبي ﷺ عن الطاعون، فأخبرها: «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ». وفي المسند : «فيمكث في بيته».

قال الطيبي: «أي يصبر وهو قادر على الخروج متوكلًا على الله تعالى ابتغاءً لمرضات الله طالبًا لثوابه لا لغرض آخر».

قال ابن حجر في الفتح : «قوله صابرا : أي غير منزعج ولا قلق ، بل مسلما لأمر الله راضيا بقضائه وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به فلا يخرج فرارًا منه كما تقدم النهي عنه . وقوله يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة فلو مكث وهو قلق أو متندّم على عدم الخروج ظانًّا أنه لو خرج لما وقع به أصلًا ورأسًا وأنه بإقامته يقع به فهذا لا يحصل له أجر الشهيد».

وقال رحمه الله: «وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه: التضجّر والتسخُّط لقدر الله ، وكراهة لقاء الله ، وما أشبه ذلك من الأمور التي تفوت معها الخصال المشروطة والله أعلم».

سادسا: التوبة النصوح، والرجوع إلى الله

فإن تغييرَ العباد مؤذنٌ بتغيير الحال من الله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد: 11]

وقد علم: أنَّ البلاء يرفع بالتوبة. قال تعالى: ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98].

سابعًا  : التضرع

والتضرع يحمل معنى : الدعاء بتذلُّل، ويحمل معنى: الإذعان والافتقار. والخشوع والخضوع، والاعتراف بالاقتراف، والخوف من عاقبة الحَيْف.

قال تعالى مبينًا بعض الحكمة في الأخذ بالبأسا: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام: 42] .

وقال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43] .

ثامنًا : إظهار شدة الضعف، وقلة الحيلة

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]

فذمهم الله بذلك، فويل لهم من عذاب يوم عظيم. ومن معاني الاستكانة: إظهار الافتقار وشدة الحاجة إلى الله تعالى. والخضوع والإذعان له سبحانه، والتذلُّل لقدرته، وجبروته .

تاسعًا :  الاستغفار

قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: 19]

وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [غافر: 55]

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 41): «فصل: في قوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33].

والكلام عليها من وجهين:

أحدهما : في الاستغفار الدافع للعذاب.

والثانـي : في العذاب المدفوع بالاستغفار.

أما الأول : فإن العذاب إنما يكون على الذنوب .

والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب ، فيندفع العذاب ، كما قال تعالى: ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ فبيَّن سبحانه أنهم إذا فعلُوا ذلك : مُتّعوا متاعًا حسنًا إلى أجل مسمَّى ، ثم إنْ كان لهم فضل : أوتوا الفضل.

وقال تعالى: ﴿ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم﴾.

وذلك أنه قد قال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ وقال تعالى: ﴿إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا﴾ وقال تعالى: ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم﴾ وقال تعالى: ﴿وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم﴾ وقال تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ .

وأما العذاب المدفوع : فهو يعمّ العذاب السماوي ، ويعمّ ما يكون من العباد ، وذلك أنَّ الجميع قد سماه الله عذابًا».

قلت: فهذه الآية: فيها فضيلة الاستغفار وبركته، وأنه أمنةٌ لمَن لزمه من العذاب.

وفي الصحيحين أنَّ النبي ﷺ قال: «إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا، يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ».

عاشرًا  : الدعاء ، والإلحاح فيه

فإنَّ الدعاء: يرفع البلاء، ويكشف الضراء، قال الله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]

قال ابن القيم في الداء والدواء: «والدعاء : من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل».

وقال رحمه الله في المرجع السابق: «وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه - بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان - وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرَّخْو جدًّا، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وغلبتها عليها.

قال: «وإذا جمع مع الدعاء : حضور القلب ، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة، وهي: (الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر).

وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًّا له، وتضرّعًا، ورِقَّة. واستقبل الداعي القبلة. وكان على طهارة. ورفع يديه إلى الله. وبدأ بحمد الله والثناء عليه. ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله ﷺ. ثم قدَّم بين يدي حاجته : التوبة والاستغفار. ثم دخل على الله، وألحَّ عليه في المسألة، ودعاه رغبة ورهبة. وتوسَّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده. وقدَّم بين يدي دعائه: صدقة. فإنَّ هذا الدعاء لا يكاد يُردّ أبدًا، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي ﷺ أنها مظِنَّة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم».

كتبه

أبو محمَّد عبدالله بن لمح الخولاني

مكة المكرمة . 7 شعبان عام 1441 هـ

 

جميع الحقوق محفوظة © موقع الشيخ ابي محمد عبدالله بن لمح الخولاني - 2025
تم نسخ الدعاء بنجاح